:mohamed:
:012: :012: :012: :111: :111: :012: :012: :012:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال:
قول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء ) ؛ هل الصوم هنا من باب الحث أو من باب الوجوب ؟ أرجو توضيح ذلك . وجزاكم الله خيرا .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
أمر الله عز وجل عباده بالتعفف عن الزنا والفجور ، وشرع الله الزواج ليعفوا أنفسهم عن الحرام والقذر ، بالحلال والطهر الذي شرعه الله لعباده .
ولما كان في علم الله تعالى أن كثيرا من الناس تتوق نفسه إلى الزواج ، غير أنه يعجز عن مؤنته ، أرشده بالصبر والتعفف إلى أن يجعل الله له فرجا ومخرجا . قال الله تعالى :
( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) النور/32-33 .
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم ، في الحديث المذكور في السؤال ، إلى الزواج الذي هو أعظم أسباب العفة ، فضلا عن المصالح العظيمة الأخرى التي تترتب عليه ، من تكثير نسل المسلمين ،
وغير ذلك ، وأرشد من عجز عنه إلى إضعاف توقان نفسه ، وكسر شهوتها بالصوم .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الْمَطْلُوب مِنْ الصَّوْم فِي الْأَصْل كَسْرُ الشَّهْوَة " انتهى .
واستنبط بعض أهل العلم حكمة أخرى من الأمر بالصوم في هذا الحديث ، إضافة إلى ما ذكر من كسر الشهوة . قال الإمام القاضي تقي الدين السبكي رحمه الله :
" وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى
{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الْمَعَاصِيَ لِأَنَّ الصَّائِمَ أَظَلْفُ لِنَفْسِهِ وَأَرْدَعُ لَهَا
مِنْ مُوَاقَعَةِ السُّوءِ ، وَهُوَ أَحَدُ الْمَعَانِي فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ } ؛ فَفَهِمَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ لِإِضْعَافِ الصَّوْمِ الْبَدَنَ فَتَضْعُفُ الشَّهْوَةُ ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ ،
فَالْمَعْنَى الْمَذْكُورُ زَائِدٌ عَلَيْهِ حَاصِلٌ مَعَهُ ؛ وَهُوَ أَنَّ الصَّوْمَ يَكُونُ حَامِلًا لَهُ عَلَى مَا يَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ ، إمَّا لِبَرَكَةِ الصَّوْمِ ، وَإِمَّا لِأَنَّ حَقِيقًا عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَكُفَّ ، فَإِنَّهُ إذَا أُمِرَ بِالْكَفِّ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ
الْمُبَاحَيْنِ ، فَالْكَفُّ عَنْ الْحَرَامِ أَوْلَى" انتهى .
"فتاوى السبكي" (1/435) .
ثانيا :
الأمر بالصيام في هذا الحديث ليس على الوجوب ، بل هو على الاستحباب ، كما هو مقرر عند أهل العلم ، ولا نعلم أحدا قال بوجوبه .
قال ابن بطال رحمه الله :
" ذهب جماعة الفقهاء إلى أن النكاح مندوب إليه مرغب فيه ، وذهب أهل الظاهر إلى أنه فرض على الرجل والمرأة ، مرة فى الدهر ... ، واحتجوا بظاهر هذا الحديث ، وحملوا أمره عَلَيْهِ السَّلام
بالنكاح على الإيجاب . قالوا : ولكنه أمر لخاص من الناس ، وهم الخائفون على أنفسهم العنت بتركهم النكاح ، فأما من لم يخف العنت ، فهو غير مراد بالحديث ...
واحتج أهل المقالة الأولى بقوله : ( ومن لم يستطع فعليه بالصيام ) ، وإذا كان الصوم الذى هو بدل عن النكاح ليس بواجب فمبدله مثله " . انتهى .
"شرح صحيح البخاري" لابن بطال (7/262) ، ونقله عنه الحافظ ابن حجر وأقره . ينظر: فتح الباري (9/110) .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب