قال رحمه الله:
"... واعلم أن فن التخريج ليس غايةً في نفسه عند المحققين من المحدثين ، بحيث يقتصر أمره على أن نقول مخرج الحديث : " أخرجه فلان وفلان و . - عن فلان عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، كما يفعله عامة المحدثين قديماً وحديثاً ، بل لا بد أن يضم إلى ذلك بيانه لدرجة كونه ضعيفاً ، فإنه والحالة هذه لا بد له من أن تتبع طرقه وشواهده لعله يرتقي الحديث بها إلى مرتبة القوة ، وهذا ما يُعرف في علم الحديث بالحسن لغيره ، أو الصحيح لغيره . وهذا في الحقيقة من أصعب أنواع علوم الحديث وأشقها ، لأنه يتطلب سعةً في الاطلاع على الأحاديث والأسانيد في بطون كتب الحديث مطبوعها ومخطوطها ، ومعرفةً جيدةً بعلل الحديث وتراجم رجاله ، أضف إلى ذلك دأباً وجلداً على البحث ، فلا جرم أنه تقاعس عن القيام بذلك جماهير المحدثين قديماً ، والمشتغلين به حديثاً وقليل ما هم . على أننى أرى أنه لا يجوز في هذه الأيام الاقتصار على التخريج دون بيان المرتبة ، لما فيه من إيهام عامة القراء الذين يستلزمون من التخريج القوة - أن الحديث ثابت على كل حال . وهذا مما لا يجوز ، كما بينته في مقدمة : " غاية المرام " ، فراجعه فإنه هام . من أجل ذلك فإني قد جريتُ في هذا التخريج كغيره على بيان مرتبة كل حديث في أول السطر ثم أتبع ذلك بذكر من خرجه ، ثم بالكلام على إسناده تصحيحاً أو تضعيفاً ، وهذا إذا لم يكن في مخرجه الشيخان أو أحدهما ، وإلا استغنيت بذلك عن الكلام ، كما كنتُ بينتُه في مقدمتي لتخريج أحاديث " شرح العقيدة الطحاوية " ، ومقدمتي على " مختصر مسلم " للمنذري . وقد لا يتيسر لي الوقوف على إسناد الحديث ، وحينئذ أنقل ما وقفتُ عليه من تخريج وتحقيق لأهل العلم ، أداءً للأمانة ، وتبرئةً للذمة ، ولكني في هذه الحالة أُبيضُ للحديث على الغالب ، فلا أذكر له مرتبة . والله - سبحانه وتعالى - أسال أن يُسدد خطانا ، وأن يحفظ علينا ما به من النعم أولانا ، وأن يغفر لنا ذنوبنا ، ويُصلح أعمالنا ، ويُخلص نوايانا وأن يُعاملنا بفضله إنه سميع مجيب ، والحمد لله رب العالمين . وسبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله الا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك" .
بيروت غُرَّة رجب 1399 هـ.
وكتب محمد ناصر الدين الألباني .
ــــــــــــــــــــ
من مقدمة إرواء الغليل