الــمـواجـهـة
كنت أعتقد حتى هذه اللحظة أني أغلقت الباب جيداً، حيث وضعت عدداً من القضبان الحديدية في فتحات متعددة على طرفي الجدار، بعد أن أولجت المزلاج جيداً وكذا فعلت في النوافذ كلها.. ومع كل هذا يساورني القلق،.. فها قد اقتربت خطواتهم.. وقع أحذيتهم يصل إلي عبر الظلام الدامس الذي يلف القرية ليس أحذيتهم فقط بل همهما تهم أيضاً، وكلما حاولت الإصغاء أكثر ينتابني شعور بأن قلبي سيتوقف حالاً عن الخفقان، ويخيل لي أحياناً أنه يتوقف فعلاً ثم مايلبث أن يستأنف ضرباته من جديد فتصل إلى مسمعي كأنها نقر على جلد منفوخ، الآن بدأ الباب بالإهتزاز، ومع كل حركة جديدة أزدادُ تحفزاً واستنفاراً وتقترب أصابعي من زناد البندقية الموجهة أبداً نحو المدخل الرئيسي.. أشدها على كتفي جيداً، أسوي وضعي بين الفينة والأخرى.. أسند ظهري إلى الجدار، ثم لاألبث أن أعتقد أن مكاني ليس مناسباً فأنتقل حذراً إلى جدار آخر، أستند وأعاود شد البندقية إلى كتفي.... ثم أتذكر أن الأطفال نيام، فأتمنى ألاّ يستيقظوا الآن، فالمشهد قد يكون مروعاً لا أحد يعرف كيف ستكون الحال بعد قليل.. ربما أستحم بدمي، وربما يستحمون بدمائهم فلحظات المواجهة قريبة جداً..
الطرقات على الباب في تصاعد مستمر، وقد أخذت الآن شكلاً مرعباً أكثر، يبدو أنهم يضربونه بأحذيتهم وأعقاب بنادقهم معاً.. ماذا سأفعل لابد أن أصرخ، أن أرفع عقيرتي منادياً الجوار... لكنهم كما يبدو ليسو أحسن حالاً فأبوابهم تضرب أيضاً حيث تداخلت الأصوات والهمهمات حتى خيّل إلى أن أبواب القرية كلها تضرب في اللحظة ذاتها... إذن لابد أن أواجه الحال بمفردي فأنا في الموقع الأقوى.. سألتقطهم واحداً تلو الآخر.. فها أنا الآن أستند إلى جدار متين وبندقيتي تلتهم الباب تماماً.. وما أن ينجحوا في الدخول حتى تبدأ معركتي الحقيقية.. نعم أنا في الوضع الأفضل فلماذا الخوف اذن؟ أحاول عنوة ضبط أنفاسي.. أنظر حولي، لاشيء سوى ثوب الليل، وأنفاس الأطفال في الداخل التي خيّل إلي أني أسمعها جيد، وفي تلك اللحظة تماماً ازدادُ تحفزاً.. سأمنع دخولهم بأي ثمن.. كيف ستكون الحال إذا وصلوا إلى فراش الصغار؟
كيف سيكون حال الصغار إذا تناهبتهم الطلقات والأحذية؟
كيف لي أن أحتمل ذلك؟
الموت إذن هو الحل ولاشيء غير ذلك.. سأموت وليكن مايكون.
يبدو أن الأمر صار صعباً جداً، فهاقد بدأت النوافذ تهتز أيضاً.. طرقات حاقدة تحاول عنوة اختراق النوافذ الموصدة، ..حالة المواجهة اتسعت تماماً، إلى أين ستكون بندقيتي؟
صوّبتها نحو نافذة رئيسية، صار ظهري قبالة الباب تماماً، أحسست بالخطر أكثر، استدرت سريعاً -صار ظهري للنافذة، الطرق يشتد والأصوات تتداخل، والأطفال بدأوا بالتململ وأنا لازلت أصوبُ بندقيتي نحو النافذة تارةً ونحو الباب تارةً أخرى، وانتقل من جدار إلى آخر ولازال الطرق يشتد ويشتد، بل بدأت أسمع الآن وقع أقدام ثقيلة على سطح البيت.
يبدو أن لحظة المواجهة قد بدأت فعلاً، لاأدري كيف سيكون الحال... تنتابني رغبة في البكاء ومشاعر لايمكن حصرها.. ليس ذلك مهماً الآن.. المهم أن جسدي وبندقيتي في المواجهة تماماً.