في ليلة مقمرة ، وعلى شاطئ الفنطاس الجميل وقد انبسط الخليج أمامنا ، دار حديثنا حول كل شيء من أجل الكلام ، وتزجية الوقت . أردت أن أدير الحديث في جهة أخرى .
- ماذا تكره في حياتك يا أبا باسل ؟
- البخيل ومرافقة البخيل ، لأن ترافق حمارا أفضل لك من مرافقة البخيل.
وغمز بعينيه لقد قصد مناله .
عبثا حاولت تغيير الحديث ولكن من الصعب أحيانا أن تغير ما تريد .
كان صاحبنا يسمع ويشارك بالحديث وكأن الحديث لا يعنيه أبدا ولا يدور حول مقامه المبجل
- أردت أن أدير الحديث مرة أخرى ، لأن الأفضل ترك ما لا يفيد إلى ما يفيد .
وقلت :يا أبا باسل , وزع أزواج الست (هدى )في مسرحية شوقي علينا وكن منصفا
-قال سأفعل ما بوسعي :وسأبدأ بنفسي .
أما أنا فالزوج الرابع لهدى ، أنا الكاتب البارع , أرفع هذا بقلمي ،وأنزل قيمة ذاك .
يشير الناس إلي بالبنان، ولكن مشكلتي أني مفلس دائما , لا أملك إلا قلمي وكلامي .
أما أنت يا أبا ياسر ، الزوج السادس ،للست هدى موظف أنيق وظريف ،تحب النظام
خفيف وحلو ، ناعم اليدين ولكن المشكلة تكمن بكسلك وحبك للنوم ، وجيبك أنظف من قفاك .
-رد أبو ياسر نعم أصبت وأنا قبلت بذلك ولكن أكمل .
-قال : أما سامي فهو الفقيه الشيخ التقي الورع ، إذا رأى الناس يكثر من البسملة والحوقلة
غيور على زوجته يمنعها من الخروج، ويسد النوافذ بالأخشاب .. محب للطعام والموائد
ويسرق النظرات من النساء ،دائما يريد الزواج من أربعة ..
يكفي يكفي هذا كثير ،رد سامي ، انتقل إلى أبي رامي .
-أبو رامي فهو الزوج العاشر لهدى ، المحامي الفاشل ،سكير عربيد كثير الكلام قليل الإحسان،
كثير النكد يشتم في الطالع والنازل، يهذي بلا سبب ولا يعجبه العجب ، لا يسلم منه القريب أو البعيد ، ولا يصرف الفلس إلا بخروج الروح ، صاحب جنون وهلوسة ، لا يسلم من الوقاحة .
قلت يكفي والله ما تركت شيئا أعان الله الست هدى على هذا الزوج .
- يا أبا باسل وظف كل شخص فينا في وظيفة لائقة .
- قال سأعين كلا منكم في وظيفة ولا تزعلوا مني.
- قلنا نقبل ذلك ، وكن عادلا .
- أعينك يا صديقي سامي صاحب مطعم فهي تليق بك ، وأعين أبا ياسر مديرا لمطعم ، أما أبو رامي فأعينه محاسبا للمطعم ، فهو قادر على ضبط الحسابات ، واعين نفسي نادلا في المطعم .
- قلت والله ما ظلمت أحدا فقد رأينا أبا رامي يحتفظ بسجل لحسابات بيته .
ففي سنة …. كان مجموع الوارد والصادر من الصندويش والملح والفلافل وقهوة لضيف مرّ بالخطأ ، أليس ذلك يا أبا رامي ؟ قال بلى وهل من ضير يجب أن أعرف مصروف عائلتي الكبيرة .
- دعنا يا أبا باسل فتش لنا عن وظائف بسيطة صغيرة جدا .
- أنت يا سامي صاحب بقالة ، وأنت يا أبا ياسر صاحب مقهى ، وأنا سائق تكسي ، أما أبو رامي أعينه بائعا للمازوت . ضحكنا كثيرا ثم استدركت الموقف وقلت :
- اتركونا من هذا …. لا نريد أن يزعل أحد منا . وأردفت : قرأت قصصا كثيرة
يا أبا باسل
مار أيك أن توزع علينا بعض الشخصيات من الروايات والقصص ؟ !
- قال نعم هذا أفضل . أما أنت يا سامي أعينك شخصية السيد في ثلاثية نجيب محفوظ
أما صديقي أبو ياسر فهو يستحق شخصية الكاتب موليير فهو الأقدر على رسم الشخصيات
أما أنا فشخصية العمدة ، أما أبو رامي فهو يستحق شخصية
شايلوك في تاجر البندقية لشكسبير . ضحكنا كثيرا وقلنا أبدا تعود على نفس النغمة ،عبثا أحاول أن أغير المجال.
- نعم يا سامي أنت مثل من يضع الحطب على النار .
-قلت سنغير الاتجاه وسأعطي السفينة لأبي رامي يقودها .
- يا أبا رامي عندك ثلاث بطاقات طائرة مجانية وزعها علينا .
- أجاب بسرعة سأبيعها وآخذ حقها .
- لا يحق لك بيعها. يجب أن توزعها .
-قال : لي واحدة وأعطي البقية لأصدقائي … أنا أعرفهم .
- سأله أبو باسل بدهشة وهل لك أصدقاء ؟!
أردت تدارك الأمر، وسألت أبا باسل :هل زرت عبد المنعم ؟ لقد قمنا بزيارته اليوم.
- والله لم أزره ، ولكن سأزوره مع بعض الأصدقاء . ولكن قل لي كيف حدث ذلك معه؟
- لقد روى القصة بحزن فقال :
لبست ثيابي في الصباح وخرجت من البيت إلى عملي ، ولم أشأ أن أوقظ زوجتي ، ولكني كنت أشعر بامتعاض شديد في نفسي ، وحزن غريب انتابني ليلا ، قمت عدة مرات أنظر إلى سامر ابني وأقبله ، كان يبتسم لي وهو نائم .
عندما خرجت من البيت أغلقت الباب بالمفتاح كعادتي ، كنت مصمما على العودة إلى البيت بعد أن أصل إلى المنشأة وأستأذن ، ولكن كانت هناك أمور كثيرة أخرتني حتى الظهيرة .
عدت إلى منزلي وأنا في غاية القلق ، لا أعرف السبب ، كنت أشتم إشارات المرور التي كانت تؤخر وصولي . فتحت الباب وجدت سامي ملقى في الصالة ، ركضت إليه وجدته جثة هامدة .
صرخت بأعلى صوتي منال, منال .
سمعت أنينا في الحمام ، وجدت الحمام مغلقا بالمفتاح من الخارج ,فتحت الحمام لأجد منالا في أرض الحمام بين الوعي واللاوعي حملتها وخرجت بها إلى الصالة …
- كان أمرا صعبا كان الله في عونه ، ولكن كيف حدث هذا ؟
- حسب الرواية قال: فاقت زوجتي من النوم وتناولت الإفطار مع ابنها دخلت الحمام ، وجاء ابنها وأغلق الحمام من الخارج بالمفتاح .
صاحت به ليفتح الباب ولكن الطفل لم يعرف كيف يفتح الباب ! صاحت ولولت ولكن ليس من مجيب … كان الطفل يصرخ يريد أمه , والأم تصرخ تريد النجدة لتنقذ وحيدها! ولكن القدر كان
أقوى … كانت تسمع صراخ ابنها وقلبها يتقطع لساعات عديدة حتى توفي الولد، وأغمي عليها من الصراخ … وحدث ما حدث .