هـو: مَن أنتِ أيتها الرائعة وما الذي تفعلينه هنا بهذه الدروب التي تكاد تغدو موحشة، وفي هذا الوقت بالذات؟
هـي: فراشةٌ أنا أسكنُ ذاك البستان غير البعيد، رأيتُ الشمس تحضن المغيب، فأردتُ أن أشهد روعة هذا الاحتضان، وأردتُ أن أختم هذا اليوم وأستقبل ليلة جديدة
هـو: بالله عليك ارجعي لبستانك فما هذا وقت النزهات ولا الاستمتاع بالفرجات
هـي: ولكني حرة، وقد خلقني الله بجناحين حتى أطير، لا أن أبقى مسجونة قرب ذاك الغدير
هـو: بالله عليك كم أخشى عليك الأذى وأنت بهذه الروعة وبهذا البهاء، وبكل تلك الألوان البديعة.. حسنا سأرافقك حيث تشائين وإن كلف ذلك أن أبقى معك حتى إشراق شمس جديدة، فأنت تستحقين المخاطرة أيتها البديعة
هـي: أسَرْتَني بعطفك ورقتك وطيبتك، وسأسَرُ إن وجدتُ لي رفيقًا، رغم أني أطمح برفقة من بني جنسي إنما النحل أيضًا قد يعدُ رفيقا، ولا ضير من ذلك
هـو: حسنًا أيتها الرائعة فلنمضي معًا
هـي: آه .. يا لجمال الطبيعة الفتان ويا للألوان المنبعثة من السماء كالأرجوان، يقشعر بدني من هذا المنظر الخلاب، وتهفو نفسي لهذا السكون الرائع، خصوصًا أنني أستمتع به وأنت إلى جانبي
هـو: نعم أنت محقة.. ولكن البرودة بدأت تنتشر في أوصالي وأخشى عليك قبل نفسي طبعًا
هـي: آه.. وتلك البرودة كم أعشقها تهفو نفسي إلى أن أعانق الدفئ وأنعم بشيء من الروعة بالاحتكاك بأي شيء يجلب لي دفئًا.. وقد أغوص فيه وأغرق في دفئه ليلة كاملة..
هـو: هل تعلمين أن فرو الثعالب مفيد جدا في جلب الدفء للجسم، وحتى إن كنتِ الفراشة فأظنه نافعًا..
هـي: مممممم حسنًا... هل تسمع معي هذا السكون، وهل تتحسسُ هذا الهدوء والسكينة في الآفاق..
هـو: أكيد وهذا طبيعي فمجيء الليل يتبعه السكون أكيد وإلا لما سُمي الليل ليلاً ألا ترين هذا منطقيًا ؟؟
هـي: هههههه ألا ترى أن الوقت مر سريعًا.. وأحس أن الأوقات تمر سريعًا خصوصًا مع من نرتاح إليهم..
هـو: بل مر سريعا لأننا في فصل الشتاء، وكما هو معلوم فإن الليل يأتي بسرعة وليس كما فصل الصيف ولا حتى الربيع..
هـي: أحم أحم.. طيب أرانا وقد وصلنا لمنظر الغروب، وتأخذني اللهفة لرؤية الشمس وهي تحتضن تلك النقطة وسط البحار، وتغطس في المياه العذبة، ليأخذ القمر دورها ويعلن عن دخول ليلة جديدة أراها ستكون سعيدة..
هـو: غروب الشمس من مجريات الحياة، وطلوع القمر في الليل من مشيئة الرحمن، وشروق الشمس من جديد أيضا من سنن الحياة، وهذا أكيد طبعًا..
هـي: آآآآآآخ يبدو أننا وصلنا لمكان المنظر البديع ؟؟؟؟
هـو: مابالك لم تتأففين، وقد كنتِ بلهفةٍ لهذا المنظر تنتظرين ؟
هـي: لم تعد لي رغبة بمشاهدة الغروب
هـو: كيف ذلك أولستِ اللطيفةَ الهادئةَ الخياليةَ البديعةَ وكم كنتِ متشوقة لرؤية هذا المنظر، بالله عليك هيا تعالي، ولا تدعيني أندم أنني أضعتُ نصف يومي، وبداية ليلي في لا شيء..
هـي: هل ندمتَ على هذه الخطوات التي رافقتني فيها إلى هذا المكان؟
هـو: كلا أكيد لا، ولكني أريد أن أصل إلى نتيجة والمنطق يقول أنه لا بد لكل سبب من نتيجة..
هـي: وما فائدة النتيجة إن كانت خالية من المتعة
هـو: وما فائدة المتعة إن لم تكن سوى أمور ثانوية
هـي: وما هي الأمور الأساسية برأيك ؟
هـو: أن تكون ذات فائدة وأن يكون لها مكان بالحياة وليست مجرد أماني وخيالات وترهات..
هـي: طيب لنرجع لنعد من حيث أتينا فقد أصابني النعاس وأريد أن أخلد للنوم..
هـو: بكل سرور، هيا لنعد
هـي: بنبرة بائسة، وفرحة غائبة، ولهجة تعيسة: ها قد بان منزلي.. ليلتك سعيدة
فراشة أخرى: أهلا عزيزتي أعُدتِ.. وبهذه السرعة رجعتِ؟ كيف كان منظر الغروب وكيف كان مشهد احتضان البحر للشمس.. وكيف.......
هـي: توقف زميلتها.. لم يعد للغروب معنى، ولا لبدائع الطبيعة معنى.. أين زهرتي.. أريد الاستلقاء
الصديقة: ما بالك وأين تركت حيويتك، ومن سرق عفويتك، وأين اختفت معالمُ مرحك..
هـي: لم يُسرق شيء ولم يختفي شيء ولم أترك شيئا ... ولكنني لم أعد أجد رغبة بشيء
-تركنُ الفراشة لزهرتها البديعة، وتحضُن رحيقها الشهي، وتتنفس الهدوء بوحدتها وتنأى عن الغروب ومعالم الطبيعة، وتكتفي بالاستغراق في الأحلام ويهرب النعاس عنها، وترقد بأحضانها أمنية الاستمتاع بمشتهياتها بعيدًا عن كل الخلائق..
انتهـى
أرجو أن تنال القصة الإعجاب