أقوال العلماء في المراد بالأحرف السبعة
اتفق العلماء على أنه لا يمكن أن يكون المراد بها هؤلاء السبعة القراء المشهورين كما يظنه بعض العوام وكثير من الناس؛ لأن هؤلاء القراء السبعة لم يكونوا قد وجدوا أثناء نزول القرآن الكريم، ثم إن القراءات المتواترة عشر وليست سبعًا.
وقد اختلف العلماء في تفسير هذه الأحرف اختلافًا كثيرًا وافترقوا على أقوال، أكثرها متداخل فيما بينها.
فذهب بعضهم إلى أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب كلها يمنها ونزارها وهي: لغة قريش، وهذيل، وثقيف، وهوازن، وكنانة، وتميم، واليمن وقيل في تحديد اللغات السبع غير هذا.
وقد اعتُرض على هذا الرأي بأن القرآن الكريم فيه أكثر من سبع لغات؛ ويذكر ابن عبد البر وجهًا آخر في توهين هذا الرأي فيقول: "قد أنكر أهل العلم أن يكون معنى سبعة أحرف" سبع لغات؛ لأنه لو كان كذلك لم ينكر بعضهم على بعض في أول الأمر، لأن ذلك من لغته التي طبع عليها، وأيضا فإن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم كلاهما قرشي، وقد اختلفت قراءتهما، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته".
وقال بعضهم: المراد معاني الأحكام، كالحلال والحرام، والمحكم والمتشابه، والأمثال، والإنشاء والإخبار.
وقيل المراد بها: الأمر والنهي، والطلب، والدعاء، والخبر، والاستخبار والزجر.
وقيل المراد بها: الوعد، والوعيد، والمطلق، والمقيد، والتفسير، والإعراب، والتأويل.
ومع الاحتفاظ بالقيمة العلمية والعقلية لكل ما استنبطه العلماء من آراء حول المراد بهذه الأحرف السبعة، ومن وسط هذا الحشد الهائل من الآراء في هذا الموضوع والتي أوصلها البعض إلى أربعين رأيًا.
نذكر رأي الإمام أبي الفضل الرازي، وهو رأي اجتمع عليه كثير من الفضلاء الكاتبين في هذا الموضوع، فقد ذهب إليه أبو حاتم السجستاني وابن قتيبة وأبو بكر الباقلاني وأبو الحسن السخاوي وابن الجزري، وسبقهم جميعًا إلى نحوٍ منه أبو العباس أحمد بن واصل، وهو اختيار أبي علي الأهوازي ومكي بن أبي طالب وابن شريح من القدامَى. ومن المعاصرين الشيخ عبد العظيم الزرقاني والشيخ محمد نجيب المطيعي والعلامة الخضري الدمياطي والشيخ عبد الفتاح القاضي والدكتور شعبان محمد إسماعيل وغيرهم كثير.
ولا يفوتني أن أنبه هنا إلى أن هناك اختلافًا يسيرًا بين هؤلاء الأعلام في تحديد الأوجه السبعة بالاستقراء وهذا الرأي الذي ذهبوا إليه في معنى الأحرف السبعة هو: الأوجه التي يقع بها التغاير والاختلاف.
وكلمة "الأوجه" ترجيح لأحد معاني "الحرف". لأنه باستقراء ألفاظ الحديث لا يستقيم إلا هذا المعنى، وإليه ذهب أعلام القراء، وكلمة "التغاير" إشارة إلى وجود الاختلاف بين هذه الأوجه، وفيه رد على من يحصر الاختلاف في نوع واحد فقط كالترادف نحو هلم وأقبل وتعال.
والأوجه التي يقع بها هذا التغاير والاختلاف لا تخرج عن سبعة:
الأول: اختلاف الأسماء في الإفراد والتثنية والجمع: نحو قوله تعالى في سورة البقرة: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين {البقرة:184}، قرئ لفظ مسكين هكذا بالإفراد وقُرئ مساكين بالجمع، وقوله تعالى في الحجرات: فأصلحوا بين أخويكم {الحجرات:10}، قُرئ بفتح الهمزة والخاء بلفظ التثنية وقرئ بكسر الهمزة وسكون الخاء وبعد الواو تاء مكسورة على أنه جمع أخ.
واختلاف الأسماء أيضا في التذكير والتأنيث: نحو قوله تعالى في سورة البقرة: ولا يقبل منها شفاعة {البقرة:48}، قرئ يُقبل بياء التذكير وتاء التأنيث، وقوله تعالى في سورة النحل: الذين تتوفاهم الملائكة {النحل: 28 32}، قرئ يتوفاهم بياء التذكير.
الثاني: اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر نحو: قوله تعالى في سورة البقرة: ومن تطوع خيرا {البقرة:184}، قرئ يَطَّوَّع بياء مفتوحة وبعدها طاء مشددة مفتوحة مع جزم العين على أنه فعل مضارع. وقوله تعالى بسورة يوسف: فنجي من نشاء {يوسف:110}، قرئ بزيادة نون ساكنة بعد النون المضمومة مع تخفيف الجيم وسكون الياء على أنه فعل مضارع.
الثالث: اختلاف أوجه الإعراب نحو: قوله تعالى في سورة البقرة: ولا تسأل عن أصحاب الجحيم {البقرة:119}، على أن لا نافية، وقرئ بفتح التاء وجزم اللام على أنها ناهية. وقوله تعالى في سورة إبراهيم: الله الذي له ما في السموات وما في الأرض قرئ بخفض الهاء من لفظ الجلالة وقرئ برفعها.
الرابع: الاختلاف بالنقص والزيادة، كقوله تعالى بسورة آل عمران: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم {آل عمران:133}، قرئ بإثبات الواو قبل السين وقرئ بحذفها، وقوله تعالى في سورة يوسف: قال يا بشرى هذا غلام {يوسف:19}، قرئ بزيادة الياء المفتوحة بعد الألف وقرئ بحذفها، وقوله تعالى في سورة الشورى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم {الشورى:30}، قرئ "فبما" بفاء قبل الباء وقرئ "بما" بحذف الفاء.
الخامس: الاختلاف بالتقديم والتأخير، كقوله تعالى في سورة آل عمران: وقاتلوا وقتلوا {آل عمران:95}، قرئ بتقديم وقاتلوا وتأخير وقتلوا وقرئ بتقديم وقتلوا وتأخير وقاتلوا، وقوله في سورة المطففين ختامه مسك {المطففين:26}، قرئ "خَاتَمُهُ" بفتح الخاء وتقديم الألف على التاء المفتوحة.
السادس: الاختلاف بالإبدال، أي جعل حرف مكان آخر، كقوله تعالى في سورة يونس: هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت {يونس:30}، قرئ تبلو بتاء مفتوحة فباء ساكنة وقرئ "تَتْلُو" بتاءين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة، وقوله تعالى في سورة الشعراء: وتوكل على العزيز الرحيم {الشعراء:217}، قرئ وتوكل بالواو وقرئ فتوكل بالفاء. وقوله تعالى في سورة التكوير: وما هو على الغيب بضنين {التكوير:24}، قرئ بالضاد والظاء.
السابع: الاختلاف في اللهجات: كالفتح والإمالة، والإظهار والإدغام، والتسهيل والتحقيق، والتفخيم والترقيق وهكذا، ويدخل في هذا النوع الكلمات التي اختلفت فيها لغات القبائل وتباينت ألسنتهم في النطق بها نحو: خطوات، بيوت، خفية، زبورًا، شنآن، الأذن، وهي كلها تعتمد على كيفية النطق والأداء، ولا يكون ذلك إلا من أفواه المشايخ.
ومع جودة هذا الرأي ودقته وإحكامه واستحقاقه لاختيار الفحول من العلماء إلا أنه لا يسعنا إلا ما وسع السلف الصالح والقرون الأولى من الاكتفاء بالقراءات الصحيحة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي استقرت كتابةً وخطّا وقراءةً من مصحف عثمان رضي الله عنه وانتشرت حفظا ومشافهة عبر الأجيال.
حكمة نزول القرآن على سبعة أحرف
1 تيسير القراءة والحفظ على قوم أميين، لكل قبيلة منهم لسان ولا عهد لهم بحفظ الشرائع فضلا عن أن يكون ذلك مما أَلِفوه، وهذه الحكمة نصَّت عليها الأحاديث.
2 التخفيف على الأمة وتسهيل القراءة عليها خاصة الأمة العربية التي شوفهت بالقرآن.
3 جمع الأمة الإسلامية الجديدة على لسان واحد بينها وهو لسان قريش الذي نزل به القرآن والذي انتظم كثيرًا من مختارات ألسنة القبائل العربية التي كانت تختلف إلى مكة في موسم الحج.
والله من وراء القصد.
فضيلة الشيخ
على بن ابراهيم حُشيش
إنتهى